مجتمع غلاك

مجتمع غلاك (https://g-lk.com/vb/index.php)
-   القسم العام (https://g-lk.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   موت في الظل (https://g-lk.com/vb/showthread.php?t=8393)

عبير 12-01-2020 08:08 AM

موت في الظل
 
-








اتكأت على جذع شجرة يقاوم الاندثار ويصارع قساوة الطبيعة التي أحدثت فيه شروخا عظيمة، تأملته بعينين ذابلتين مات الفرح فوق أهدابهما المكسوة بالغبار، غاصت في جوف هذا الجذع الذي أضحى ملاذا للدبابير وبعض الزواحف.
وضعت يدها فوق الجذع الجالس هنالك رغم أنف الطقس القاتل... لاحظت أخاديد الزمن وتضاريسه على يديها الخشنتين، وسافرت في هذا الموت السريري.... أصابعها اغتالتها الرطوبة وحولتها إلى أشكال مقعرة برؤوس تخفي معاناة إنسانة طاردت حلما قادها إلى فيافي المجهول ووحشيته، ورماها جثة على قارعة وطن مزيف بلا زاد ولا دليل...
عقرها الجذع وكأنه يعلن عن تعاطفه معها وينبهها إلى ذلك التشابه الذي خلق بينهما جاذبية خفيفة ترجمتها وقفتهما المنكسرة فوق تلك الهضبة التي تواجه محن الطبيعة لتضمن بقاءها ووقوفها شامخة هنالك مثل شوكة في أعين الحساد والعاذلين.....
اندلق دمها القاني فوق الجذع المتهالك، وبدأت ذاكرتها المتقدة تفتح صفحات التاريخ القريب البعيد، حيث شقائق النعمان تلامس وجنتيها الغضتين وهي ممددة تحت ظلال الشجرة الوارفة التي كانت تحجبها عن أعين المارين بأفنانها المتعانقة في اتساق وجمال...
كم اندمجت مع الفراشات المزركشة تلهو خلفها في كل اتجاه.... آه لو يعود الزمن قليلا إلى الوراء.....
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها اللتين ابتلعت وطأة الزمن بريقهما وطراوتهما، وهي تتذكر كيف كانت تلوذ بهذه الشجرة الكبيرة لتتفيأ بظلالها، أين هي تلك الأغصان المثمرة الدافئة لتحتضنها اليوم بكل حب ودفء كما كانت تفعل بالأمس...
تساءلت عمن أخرس صوت العصافير التي كانت تصدح بأعذب الألحان وهي تنتقل من فنن إلى آخر..
ومن اغتال تلك الفتاة الحالمة التي كانت تقطف الثمار وترمي بها إلى المارة بشقاوة طفولية بريئة...
لقد شهدت انتحار الفرح واختناق الأمل يوم اقتلعوها من تربتها وحملوها إلى المدينة غريبة عن الأهل والأتراب... غمرتها عبرات اليأس والوهن اللذين أغرقا حياتها ..
نظرت إلى رجليها الحافيتين وقد بصم الكد عليهما جروحا عميقة تماما مثل تلك الجروح العاصفة بفروع هذه الشجرة التي طالما طافت حولها الفتيات يزينها بشرائط الأمنيات الوردية ...
مشطت المكان بعينيها الدامعتين فلم تر أي أثر أو رسم يدل على حياة محفوظة في الذاكرة العائدة هي كل ما تبقى لديها اليوم بعدما شوهها غدر المدينة الكبيرة التي أغرتها ببريقها الفتان قبل أن تلفظها بلا رحمة إلى العراء....
زفرت بحرقة عندما لاحظت اختفاء آثار الأقدام التي طوتها المسافات ومحاها النسيان ......
عانقت ذلك الجذع... وشخصت إلى السماء ....تعيد النبض لهذا المكان المهجور...
زمجرت الرعود ولمع بريقها لافحا ذلك الجسد الضعيف فتآخت مع الجذع واتحدا... سمادا لهذه البقعة الطيبة لعلها تثمر بعد سنوات العقم العجاف.....
بقلم كريمة سعيد اشطيطح

مسترٍيَحٍ آلُبآلُ 12-01-2020 10:20 PM

رد: موت في الظل
 
شكرا على القصه عبيرررررررر

عتب خرساء• 12-02-2020 02:05 AM

رد: موت في الظل
 
نتميزّ بكمً ، أنتقاء رائع
وطرحً جميلً ومبدعً،
سلمت لنا الانامل على هذه الذائقه
الاكثر من جميله
مررت من هنا مع كامل ودي واحترامي

ملآئكيه 12-02-2020 04:04 AM

رد: موت في الظل
 
-








سلمت على هكذا إنفراد وَ تميُز
دام حضورك وَ عطائِك اللا محدود ..!

أمَوآج آلشَرقَيهہْ♥ 12-06-2020 12:34 AM

رد: موت في الظل
 
سلمت الآيادي ..
ودآم عطآئك و تميزك ..


-

لوران 12-19-2020 11:08 PM

رد: موت في الظل
 
راقني انتقائك
سلمت يداك وبانتظار جديدك
:9517:


الساعة الآن 10:21 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
adv helm by : llssll
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
بسرقتك لأفكارنا وجهد اعضاءنا أنت تثبت لنا بأننا الأفضل ..~

This Forum used Arshfny Mod by islam servant